هو لم يخطّط لشيء، ولم يبحث عنها، لكنها كانت تشبه السكون الذي طالما افتقده، تشبه المعنى الذي نسيه في زحمة الأيام.
بينهما بدأت الحكاية — لا بوعدٍ ولا باعتراف، بل بنظرة كسرت المسافة، وبكلمةٍ غيّرت كل شيء.
لم يكن الحب سهلًا، ولم تكن النهايات واضحة، لكنهما تعلّما أن القلوب حين تلتقي حقًا… لا تُفرّقها المسافات، بل تكتبها الأيام بطريقةٍ مختلفة.
هذه قصة فرح وعثمان… حيث يبدأ الحب بصمتٍ، وينمو رغم كل شيء.
رواية فرح وعثمان كاملة جميع الفصول
_ بنت؟!..
قالها وعينيه متعلقة بدليل عذريتها الظاهر على الفراش، عقله مشوش منتظر منها كلمة واحدة تنفي بها ما تراه عينه، وجدها تنكمش حول نفسها بخوف وكفها يجذب شرشف الفراش لتغطي به جسدها، عاد عليها السؤال بنبرة صوت ضائعة :
_ أنتِ كنتي بنت فعلاً والا أنا اللي كنت غشيم معاكي؟!..
نظر إليها برجاء شديد يتمنى لو كان العيب به هو، أتت إجابتها بصوت مرتجف :
_ بنت.
بنت؟!.. كانت طوال الأشهر الماضية تلعب به؟!. أنتفض بغضب بعيداً عنها دار حول نفسه بالغرفة مثل المجنون وقال :
_ أمال جوازك من حسين أخويا وحملك كانوا إيه؟!.. لما سترت عليكي بعد ما مات ده كان إيه؟!.. انطقي..
كانت تعلم أن نهايتها ستكون به ليلتها الأولى معه، بللت شفتيها بطرف لسانها لتعطي لها بعض اللين وقالت :
_ قولتلك من الأول أنا بحبك يا عثمان ووو..
أشار إليها بالصمت، يكفي ما كشفه اليوم لا يود سماع المزيد، جذب بنطلونه من فوق الأرض وقام بارتدائه ثم قال بنفور :
_ أطلع من الحمام تكوني رجعتي لاوضة الخدم اللي جنبك منها مش عايز أشوف وشك هنا تاني..
بكت بحسرة على ما وصلت إليه ثم قامت من مكانها بخطوات ثقيلة مهزومة تأخذ ملابسها من على الأرض تغطي بها جسدها، تجمدت محلها عندما قال وكأنه أخيراً تذكر شيء :
_ استنى عندك، لما كل ده كذب الواد اللي تحت ده إبن مين؟!.
كانت هنا الكارثة الحقيقية، كيف تقول الحقيقة لا تعلم، شهقت برعب ويده تضم عنقها بقوة وضعت يدها فوق بيده تخفف من ضغطه إلا أنه ضغط أكثر وقال بجبروت :
_ انطقي إبن مين اللي دبستي عيلة الراوي فيه وخلتيني أحطه بإسم أخويا، هطلع بروحك في أيدي..
تغيرت معالم وجهها تشعر كأن لحظاتها الأخيرة بالحياة الآن، سقطت دمعة مقهورة من عينيها بعدها قالت بصدق :
_ عثمان أنا بحبك…
قطعها بنبرة مرعبة وقال :
_ أخرسي مش عايز أسمع الكلمة دي منك، كفاية تمثل كفاية..
دفعها بقوة فسقط جسدها أرضا، حدق بها بنفور مردفا :
_ أنتِ طالق..
كلمة كانت كفيلة تأخذ روحها، حركت رأسها برفض علقت يديها بقدمه ليحدق بها وعينيه تتذكر بداية قصته معها..
فلاش باك..
بفيلا فخمة مكونة من ثلاث طوابق الدور الأول خاص بجلوس العائلة وغرف للخدم والثاني خاص بالاخ الأكبر حسين الراوي وزوجته جيهان وابنته الوحيدة زينب، بالطابق الثالث الآخير عثمان الراوي الأخ الأصغر و زوجته أحلام وطفله يونس البالغ من العمر سنتين..
بغرفة السفرة تجمعت العائلة الكريمة وعلى رأس الطالة حسين البالغ من العمر واحد وخمسون عاما بجواره السيدة جيهان وبجوارها فتاة إبداع الخالق بها، عيون زرقاء واسعة وجه أبيض مستدير وخصلات حمراء طويلة مموجة تشبة إحدى أميرات ديزني ” زينب الراوي الابنة الوحيدة لحسين وجيهان” على رأس الطاولة من الاتجاه الآخر يجلس عثمان شاب بأول عام بالثلاثينات بجواره أحلام جميلة رقيقة بها جميع المميزات التي تجعلها فتاة أحلام أي شاب بجانبها مقعد صغير يجلس عليه صغيرها يونس.
تحدث حسين بهدوء :
_ عثمان أنا هسافر أسبوع عايزك تبقى في الفرع الرئيسي مكاني لحد ما أرجع..
أوما إليه عثمان بهدوء وقال :
_ متقلقش كله هيبقى كأن موجود..
تدخلت زينب بالحديث مردفة بدلال :
_ بابي وافق أخرج النهاردة مع أصحابي مامي مش موافقة..
نظر حسين لجيهان وقال بتعجب :
_ مش موافقة ليه يا جيهان؟!..
لو كانت النظرات تقتل لوقعت زينب بالحال بعد نظر والدتها إليها، رسمت جيهان ابتسامة على وجهها وقالت:
_ مفيش يا حبيبي النهاردة جايين ضيوف، أصحابي يعني فقولت يتعرفوا على زينب ونقعد كلنا سوا..
تدخلت زينب بالحديث وقالت:
_ مامي عايزة تجوزني إبن صاحبتها الولد الملزق اللي إسمه مازن ده، بابي لو سمحت خد موقف واسمحلي اخرج..
أغلقت جيهان عينيها وهو تسمع كلمات زوجها السامة:
_ هي مين دي اللي بتخططي لجوازها كأن ملهاش أب ولا عيلة؟!.. زينب بنت الراوي يا جيهان فوقي لنفسك وأعرفي بنتك يبقى مين ابوها، أصحابك من هنا ورايح ما يدخلوش بيتي اظن الكلام واضح..
_ واضح..
ابتسمت زينب بسعادة وقامت من مكانها لتقبل رأس والدها مردفة:
_ أحسن أب في الدنيا حضرتك..
حدق بها عثمان مردفاً:
_ يا سلام بابي بس يا ست زينب ؟!..
غمزت لعمها مردفة بمرح:
_ أيوة طبعاً بابي بس..
ضحك عثمان وقام من مكانه مقبل رأسه زوجته ويونس ثم قال:
_ الحمد لله عن اذنكم عندي إجتماع مهم..
ذهب فقامت أحلام وقالت:
_ أنا كمان هطلع أرتاح..
انتهزت زينب الفرصة والقت قبلة على الهواء لوالدتها وفرت للخارج فقالت جيهان بغضب:
_ أنت بتفكر إزاي يا حسين مازن ده معاه ملايين شاب بيليق ببنتنا فعلا تقدر تقولي رفضت ليه؟!..
لفتت منه ضحكة ساخرة قبل أن يقول بجبروت:
_ بنتي مش أي راجل يليق بيها ومازن ده عيل فاشل، بصي يا جيهان وجودك تحت سقف البيت ده لحد دلوقتي عشان خاطر أنتِ أم زينب افهمي ده كويس..
مسح فمه بمنديل الطعام وترك لها الغرفة لتضرب الطاولة بيدها بغيظ مردفة:
_ ماشي يا حسين لما نشوف كلمة مين فينا إللي هتمشي…
____ شيما سعيد ____
بغرفة صغيرة بحديقة فيلا الراوي..
كانت هناك ” فرح” إسم غير على مسمى، فتاة متوسطة الطول بالتاسع عشر من عمرها انتهت دراستها عند الثانوية العامة، ببشرة خمرية ووجه مستدير يزينه طابع الحسن بمنتصف ذقنها وعمزتان بخديها الممتلئين، شعرها أسود ناعم ثقيل متوسط الطول، أطلقت صرخة قوية ووضعت يدها محل صفعة والدها مردفة :
_ حرام عليك يابا بتعمل معايا كدة ليه ده أنا بنتك..
بقسوة شديد أعطى إليها صفعة أخرى وقال :
_ كانت خلفتك خلفة سودة، بصي يا بت اللي أنا بقوله هيتنفذ بدل ما أطلع بروحك في أيدي..
كانت والدتها تجلس على مقعد متحرك لا حول لها ولا قوة تتابع ما يحدث لبنتها بحسرة حاولت التحرك من فوق المقعد مردفة بعجز :
_ أبعد عنها يا سيد حرام عليك دي بنتك الوحيدة اتقي ربنا..
حدقت فرح بوالدتها لتصمت وبكل أسف كان وقت التحذير إنتهى إقترب منها سيد ودفع جسدها على الأرض مردفا :
_ مش باقي غيرك اللي يتكلم اخرسي بدل ما أشل لسانك كمان..
صرخت فرح برعب ثم قامت من على الأرض رغم ألم جسدها لتساعد والدتها على العودة لمقعدها مردفة بقهر :
_ بلاش أمي أنا هبقى تحت جزمتك بس بلاش أمي…
شعر سيد بنشوة الإنتصار فأخذ نفسه براحة وقال :
_ فزي غيري هدومك ويلا يا حبيبت أبوكي مش عايزين نتأخر على العريس..
خرجت من الغرفة لتنهار بأحضان والدتها، ضمتها إليها بحسرة وقالت :
_ اهربي يا فرح أهربي يا بنتي بدل ما عمرك يروح كفاية عمري اللي راح..
حركت رأسها برفض ثم قبلت يد والدتها عدة مرات مردفة :
_ مش هسيبك معاه لوحدك ولو فيها موتى..
_ مهو كدة هتموتي فعلاً..
سقطت من عينيها دمعة بحسرة وقالت :
_ يبقى نصيبي يا ماما..
بعد دقائق خرجت من غرفتها لتجد أبيها ينتظرها بالحديقة، أقترب منها ووضع كفها بين يده مردفا بقوة :
_ يلا الباشا مستني..
_ هو مين الباشا ده يا بابا..
نظر إليها بقسوة وقال :
_ لما يكتب عليكي هتعرفي أخرسي بقى..
صعدت معه لسيارة فخمة تعلم من صاحبها بلعت ريقها ببعض الخوف من تحقيق ما وصل لعقلها، ظلت طول الطريق شاردة تسير نحو المجهول بكامل إرادتها ولا تعلم كيف ستكون النهاية أو الأحداث على الأقل، شعرت بكف والدها على ظهرها بحثها على فتح الباب مردفا بقوة :
_ يلا وصلنا انزلي..
قدم ثقيلة وضعت أول خطوة على الأرض، نزل والدها وجذبها لتسير معه لعمارة راقية دقيقة ‘كانت بداخل شقة واسعة فخمة اتسعت عينيها بذهول وهو ترى السيد حسنين يجلس بجوار المأذون قالت بلسان ثقيل :
_ حسين باشا؟!..
_ في ست تقول لجوزها باشا برضو يا فرح؟!..
اهتز جسدها برعب حقيقي، لا تصدق ما تراه عينيها، حسين الراوي كبير العائلة الأكبر من والدها بعشر سنوات عريسها المنتظر، حركت رأسها برفض ونظرت لوالدها بضياع مردفة:
_ ليه ؟!..
_ اخرسي يا بت ونفذي كل إللي الباشا يطلبه منك..
قالت لحسين برجاء:
_ ارحمني يا باشا وخليني امشي من هنا..
حمقاء من من تطلب الرحمة ؟!. من حسين الراوي ؟!.. كم أنتِ بريئة وقليلة الحيلة يا فرح.. أبتسم حسين وقال بقوة:
_ إيه الحكاية يا سيد كنت بتفق مع راجل ولا مع عيل صغير؟!..
_ راجل طبعاً يا باشا..
_ يبقي تعالي خلينا نخلص..
كانت بعالم أخر تشعر كأنها بشارع خالي معتم بعد منتصف الليل، فاقت على جملة عجيبة قالها المأذون:
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير زواج مبارك إن شاء الله..
كانت جملة غريبة أتت بعدها الجملة الأكثر قسوة وكانت من حسين باشا:
_ خد المأذون والشهود ومش عايز أشوف وشك هنا تاني يا سيد بنتك فرح ماتت روح خد فيها العزا…
كل شئ يتحرك من حولها وهي فقط تتابع وكأنه أحد أفلام الرعب، رأت والدها وهو يرحل بكل هدوء سمعت صوت إغلاق باب المنزل، أنتفضت على أثر لمسة حسنين لكفها فحدقت به بخوف ليقول:
_ مبروك يا عروسة، عايز أعد تسع شهور من دلوقتي وتبقي أم الولد يا فرح ..
_______ شيما سعيد______
بعد أسبوعين
بأحد الأقسام بالقاهرة..
جلس الطبيب سليمان منصور على المقعد المقابل لمقعد الضابط، وسيم بطول مناسب وملامح أوروبية خصلات بنية تميل للذهبي وبشرة بيضاء وعين خضراء مع ذقن كثيفة بعض الشي باللون الذهبي، طبيب نساء شهير صاحب إسم يرن مثل الطبل ومع ذلك هو يجلس على هذا المقعد اللعين بتهمة التحرش بالممرضة المساعدة له..
مسح على عنقه بتعب وقال:
_ يا حضرت الظابط أنا راجل ليا اسمي وسمعتي مش من قلة الستات اللي في الدنيا هحاول اغتصب الممرضة في العيادة بتاعتي..
اوما إليه الضابط بهدوء وقال :
_ كل كلامك على عيني وراسي يا دكتور بس مفيش بأيدي أعمل لحضرتك حاجة الممرضة رفعت القضية والممرضة التانية شهدت معها حتى اوضة مكتبك مفيش فيها كاميرا والكاميرا اللي برة بتثبت القضية عليك بعد ما صورتها وهي بتجري من أوضة مكتبك هدومها مقطعة..
من أين أتت إليه تلك الكارثة لا يعلم، زفر بثقل وقال :
_ طيب يا حضرت الظابط كل اللي طالبه من حضرتك ان الصحافة متعرفش حاجة لحد ما أثبت براتي تهمة زي دي ممكن تنهي مستقبلي..
أوما إليه الضابط وقام من محله مردفا بهدوء :
_ ماشي يا دكتور في حد طالب يزورك..
_ محدش يعرف إني هنا مين اللي عايز يشوفني ده؟!..
_ أنا يا بيبي..
قالتها زينب بإبتسامة مشرقة، انتفض سليمان من محله بذهول، الآن فقط فهم ما يدور من حوله هذه اللعينة السبب الرئيسي بما حدث معه، حاول الإقتراب منها بغضب إلا أن وقف الظابط بينهما مردفا :
_ أهدى يا دكتور واحترم المكان اللي أنت فيه…
_ أهدى إزاي أنا دلوقتي فهمت اللعبة ماشية ازاي؟!..
أشار زينب للضابط بالخروج وقالت :
_ معلش يا فندم سيبنا مع بعض شوية..
انتظرت خروج الضابط وبعدها أقتربت منه مردفة بحب :
_ حبيبي وحشتني مش لايق عليك المكان ده خالص..
نهاية بشعة بنهاية بشعة يقتلها وينتهي الأمر، جذبها من عنقها وقال بغضب :
_ أنتِ ملة أهلك إيه بالظبط؟!.. وصلت بيكي الوساخة إنك تعملي فيا كدة؟!..
طبطبت بيدها فوق يده وقالت بإبتسامة بريئة :
_ مهو أنت السبب يا سليمان بحبك مش راضي تحس بيا حد خالص..
معالم وجهها بريئة براءة طفلة صغيرة، عينين ترمش بنعومة جعلته يبتعد عنها بجنون لا يعلم ماذا يفعل معها، أشار على نفسها بذهول وقال :
_ أنا السبب في فى إيه؟!.. يا بنتي مش بحبك خلي عندك دم بقى وأبعدي عني..
قالها لعلها تجرحها الكلمة ولكنها مثل العادة تصدمه بردود أفعالها، جلست على أحد المقاعد وأشارت إليه بالجلوس مردفة :
_ أقعد بس خليني أخرجك من المصيبة اللي أنت فيها دي وأنا أوعدك هخليك تحبني..
مجنونة؟!.. نعم هذا أقل وصف يصلح معها، جلس على المقعد المقابل لها ووضع ساق فوق الآخر مردفا :
_ زينب هانم هتخرجني من هنا ازاي؟!..
أشارت لساقه وقالت :
_ نزل رجعلك الأول وبعدين نتكلم…
عض على أسنانه من الغيظ وأنزل ساقه لتبتسم زينب ببساطة قائلة :
_ الموضوع سهل الممرضة هتعترف بالحقيقة وأنت تطلع براءة شوفت بسيطة ازاي…
_ والمقابل إيه بقى؟!..
ردت عليه بلهفة :
_ تيجي تطلب أيدي من بابا ونتجوز يا سليمان….
لفتت أعصابه فضرب المكتب بقوة مرددا :
_ أنتِ عقلك ده في إيه يا بنتي أنا الدكتور بتاعك في الكلية أكبر منك بسنين وكمان مطلق فوقي لنفسك بقى…
نفت بحركة سريعة من رأسها وقالت :
_ كل ده مش فارق معايا في حاجة، وبعدين هو الطلاق كان أخر الدنيا يعني مش مشكلة يا حبيبي نبدأ مع بعض من جديد..
لا يصدق إلى الآن أنه يجلس أمام فتاة وتهدده يا الزواج منها يا الضياع عمره ومستقبله بداخل السجن، نظر إليها ولعبت بكارته الأخير :
_ والدك مش هيوافق..
_ لأ بابي أهم حاجة عنده راحتي..
_ حتى لو مطلق؟!..
_ اه عادي إحنا عيلة متفتحة..
_ وفرق السن؟!..
_ عادي برضو 11 سنة مش كتير..
_ بالنسبة اني ماليا قصاد فلوس عيلتك شحات عادي برضو؟!…
أومات إليه بإبتسامة سعيدة وقالت :
_ عادي…
كارثة سقطت فوق رأسه لا يعلم كيف يمكنه الفرار منها، مسح على وجهه بغيظ وقلة حيلة وقال :
_ أمري لله موافق اتنيل على عيني وأتجوزك بس خرجيني من المصيبة السودة دي..
_____ شيما سعيد _____
بفيلا الراوي..
دلف عثمان جناحه بعد منتصف الليل، زفر بضيق أول ما وقعت عينيه على أحلام النائمة وتضم يونس لصدرها، إقترب منها بخطوات بطيئة ثم أنحني لمستوى زوجته وهمس :
_ أحلام أصحى..
فتحت أحلام عينيها بثقل زاد مع رؤيته إليه أمامها، أشارت إليه بالبعد وأغلقت عينيها مردفة :
_ روح نام يا عثمان بدل ما يونس يصحى أنا تعبت على ما راح في النوم..
رفض بحركة من رأسه وأشار عليها بالقيام خلفه بنظرات غاضبة، مسحت على خصلاتها بضيق وقامت خلفه دلفت لغرفة الملابس وجدته يخلع ملابسه فقالت بعصبية :
_ أنت بتقلع ليه أستر نفسك….
رفع حاجبه بسخرية وقال :
_ معلش خدشت حيائك وأنتِ بنت بنوت عمرك ما شوفتي راجل عريان..
_ عيب كدة يا عثمان إحنا بنا إتفاق أرجوك..
وضعت يده أمام شفتيها يمنعها من أكمال حديثها وقال بهدوء :
_ مش عايز اللي في دماغك يا أحلام جعان وعايز أأكل..
ابتسمت بخفة وقالت :
_ ماشي يا سيدي غير هدومك هيكون الأكل جاهز..
فرت من أمامه بخطوات سريعة أما هو ظل يحدق محلها بضياع، يا ليتها تشعر به تشعر بمشاعر عاشت معه طول طفولته وشبابه، فرحته كانت ليلة زواجه بها إنتهت بعد أول علاقة، قالت الحقيقة البشعة لا تعتبره سوى أخا لها، ليلة رائعة كان ثمرتها صغيره يونس..
تنهد بثقل وقال:
_ أمتي تحسي بيا يا أحلام ؟!.. أمتي تعرفي إن مفيش حد بيحبك في الدنيا دي كلها قدي ؟!..
رنين هاتفه أخرجه من دوامة أفكاره، تعجب من إسم حسين المزين للشاشة وقال :
_ غريبة حسين بيرن دلوقتي هو بينام بدري ليه؟!..
فتح الخط ليأتي إليه صوت شهقات إمرأة باكية فقال بقلق :
_ حسين في إيه؟!..
_ حسين باشا مات.. الجثة في مستشفى *****..
_____ شيما سعيد _____
بحديقة الفيلا..
وقف عثمان بأول الصف لأخذ عزاء شقيقه، الي الآن لا يعلم كيف رحل حسين كيف وهو منذ أيام كان معه بكامل صحته، لأول مرة بحياته يشعر بالهزيمة يشعر كأنه طفل صغير ضائع بلا والده، سمع صوت سامر إبن عمه يقول:
_ شد حيلك يا ابن عمي الورث إللي سابه حسين كتير والأعداء برضو كتير وأنت يا عيني عندك حتة ولد عايز تربيه، خدها نصيحة مني يا إبن عمي من دلوقتي اقفل باب العداوه اللي فتحه اخوك وادي لكل واحد حقه..
ألقي عليه عثمان نظرة نارية وقال:
_ واجبك وصل أدخل اترزع وسط الناس لو عايز تقعد باحترامك مش عايز غور في داهيه..
أبتسم سامر ابتسامة باردة وقال:
_ هدخل اقعد طبعاً وهاخد معاك عزا كبيرنا، بعدها ندخل نشوف حقنا الله يرحمه كان معاه فلوس متلتله بس ما اعرفش يجيب الولد اللي يشيل له كل ده..
المكان الشئ الوحيد الذي ربط قيد من حديد حول يد عثمان، رسم الهدوء على وجهه ثم جذب سامر ليقف بجواره وقال:
_ عايز تقف تأخد عزا إبن عمك اللي رباك وعملك راجل وصرف على تعليمك من جيبه سنين فيك الخير والله.. ومن ناحيه الحق ندي للميت واجبه وهديك حقك كامل يا سامر…
أبتسم سامر بسخرية ووقف بجواره، أنتهي وقت حسين الراوي والآن آتي وقته هو، أخذ عثمان نفس عميق لتأتي إليه فرح بخطوات ثقيلة وجسد أخذ منه المرض الكثير وقفت أمامه وقالت بنبرة مرتجفة:
_ باشا ممكن تيجي معايا شوية..
_ في إيه يا فرح ؟!..
_ أرجوك مش هأخد من وقتك كتير..
تعجب من طلبها ومع ذلك تحرك معها للداخل، توقف محله بجمود على باب المنزل وهو يسمعها تقول بقهر:
_ أنا مرات المرحوم حسين.. مراته في السر..
ابنة الخادمة الزوجة السرية لشقيقه الراحل ؟!.. ترك العزاء و دلف معها لغرفة المكتب بعيداً عن أعين زوجة شقيقه الأولي، رفع وجهه لعينيها البريئة بتساول كيف لفتاة صغيرة بأول عمرها تفعل هذا من خلف ظهر الجميع ؟!..
أشار إليها بالجلوس ثم سألها بهدوء:
_ أنتِ إللي مات عندها حسين مش كدة ؟!..
حركت رأسها برفض ثم إجابته بدموع أغرقت وجهها:
_ أنا حامل..
سقطت الكلمة عليه مثل الصاعقه، انتفض من فوق مقعده قائلاً:
_ حامل ازاي عيله عندها 19 سنه تتجوز واحد عنده فوق ال 50 سنه ليه؟!..
رفعت عينيها إليه وهمست بقهر:
_ عشان بحبك..
يتبع….
↚
_ أنا حامل..
سقطت الكلمة عليه مثل الصاعقه، انتفض من فوق مقعده قائلاً:
_ حامل ازاي عيله عندها 19 سنه تتجوز واحد عنده فوق ال 50 سنه ليه؟!..
رفعت عينيها إليه وهمست بقهر:
_ عشان بحبك..
همست بها وقلبها يتمني لو يصل همسها إليه، معالم وجهه ظلت كما هي ينتظر منها إجابة على سؤاله، أبتلعت المرارة بحلقها لم يسمعها لم يشعر بها سنوات تحلم به وعينيه لم تراها..
وضع يده على رأسه بتعب، كيف لاخيه أن يفعل بأخر أيامه كارثة مثل تلك ؟!. سألها بقوة:
_ حامل في قد إيه ؟!..
بصوت مرتجف قالت:
_ أسبوعين..
أخذ نفسه براحة إلي حد كبير ثم قال بجبروت:
_ سهلة يبقي ينزل..
أنتفض جسدها برعب، تخيلت ألف ردت فعل إلا بشاعة ما قاله، حركت رأسها برفض ثم قامت من مكانها بخطوات خائفة ستفر حلها الوحيد الآن الفرار..
لمحها من أول خطوة وكان كفه الأسبق بحبس جسدها بين يديه، رفعت عينيها البريئة إليه برجاء وقالت:
_ أبوس رجلك يا باشا سبني أمشي..
ظلت نظراته جامدة ويده تضغط على خصرها بقبضة حديدية مردفاً:
_ بتهربي من قبل ما نخلص كلامنا ليه يا حلوة ؟!..
رمشت بخوف وهمست بنبرة متقطعة:
_ مهو أنت عايز تموت إبني، أنت كمان طلعت وحش زيهم..
حدق بعينيها بعجز، فرح فتاة صغيرة تربت بين حيطان بيتهم مع والدتها التي كانت بمحل والدته، عينيها بريئة تقول إنها خارج تلك الدائرة، سألها للمرة الثانية:
_ إيه اللي خلى بنت صغيرة زيك تتجوز راجل في سن أبوها يا فرح؟!..
بكت بحرقة مردفة برجاء:
_ صدقني كان غصب عني مش عارفه ليه حسين باشا ساب الدنيا كلها واختارني انا والله العظيم ما قدرت اقول لأ، حضرتك عارف إن اللي زينا اقل بكتير من اننا نقولكم لأ، أرجوك سيب لي ابني..
إبن من ؟!.. يستحيل أن يكون انحدر حسين لدرجة الخادمة، أبتعد عنها مردفاً بقوة:
_ إيه إللي يثبت كلامك ده ؟!..
_ عقد جواز رسمي بيني وبين المرحوم حسين..
سقطت الجملة عليه مثل جمر من النيران، عاد حديثها كأنه يدخله بعقله:
_ عقد جواز رسمي؟!.. حسين أتجوزك عند مأذون ؟!..
أومات إليها عدة مرات بسرعة مرددة:
_ أيوة ..
كارثة لو حديثها حقيقي ستكون كارثة:
_ فين العقد ده ؟!..
فتحت حقيبتها بكف مرتجف ثم أخرجت إليه الصورة التي يعطيها المأذون قبل خروج العقد الرسمي، قدمته إليه مردفة:
_ أهو..
أخذه منها ليري بعينيه صدق حديثها، حسين الراوي متزوج من إبنة الخادمة حدق بتاريخ الزواج ثم قال:
_ ده يوم سفره لندن ؟!.. إزاي حامل في أسبوعين ومتجوزة حسين من أسبوعين الحمل حصل في الدخلة ؟!..
كانت نبرته ساخرة فنظرت أرضاً بصمت، ألقي بالورقة على سطح المكتب بقوة وقال:
_ حتي لو الكلام ده صح إللي في بطنك ده الاحسن له وليكي إنه ينزل..
أبتعدت خطوة للخلف بخوف، هذا الطفل آخر طوق نجاة إليها يستحيل أن تقتل قطعة من روحها، نفت برأسها عدة مرات مردفة:
_ مستحيل ده إبني وأنا عايزاه..
فلتت منه ضحكة ساخرة وقال:
_ خليتيه ولد؟!.. عقلك صور لك انك ممكن تاخديه فلوس الراوي باللي في بطنك، لو ضحكتي على حسين عشان حلوة حبتين فأنا عثمان اللي مش هتقدري تضحكي عليه بحركاتك الرخيصه مهما عملتي..
بكت بقهر مردفة:
_ أنا مش رخيصة ولا عمري كنت رخيصة أخوك هو اللي انسان اناني ساب الستات كلها ما لقاش غير عيلة غلبانة زيي يعمل فيها كده…
أقترب منها بغضب ويده تود الضغط على عنقها من الغضب إلا أن صوت الباب أنقذها، فقال بنبرة حادة:
_ مين ؟!
آت إليه صوت أحلام:
_ أنت بتعمل إيه عندك في المكتب وسايب العزا بره يا عثمان الناس كلها بتسال عليك..
_ روحي أنتِ أحلام وانا جاي وراكي..
ألقي بجسد فرح على الأريكة بقوة ثم رفع هاتفه مردفاً لأحد رجاله:
_ عايز راجلين على باب المكتب واتنين على الشباك مش عايز نملة تخرج من المكتب ولا تدخل الا بأذني..
أغلق الهاتف وأخذ مفاتيح الغرفة قائلا بجبروت:
_ مش عايز أسمع لك صوت غير لما الناس اللي بره دي تمشي، ده لو أنتِ فعلاً خايفة على إللي في بطنك..
أومات إليها بخوف ليقول:
_ شاطرة…
_____ شيما سعيد _______
بالحديقة..
وقفت زينب بعيداً عن الجميع تتابع عزاء والدها، إلي الآن تحاول فهم ما يحدث حولها وعقلها عاجز عن هذا، رحل والدها الغالي وظهرها القوي تشعر لأول مرة بقلة الحيلة والضياع، شعرت بلمسة حنونة على كتفها لتدور برأسها رأت سليمان يقف أمامها بعيون مشفقة على حالها..
منذ ما حدث وهي صامتة فقط تتابع، تمنع عينيها من إسقاط دمعة واحدة تظهر ضعفها والآن وأمامه انهارت حصونها بكت بقوة ورفعت يدها برجفة قوية مشيرة على العزاء أمامها بضياع مردفة:
_ بابي مات يا سليمان العز إللي الناس واقفة فيه هناك ده بتاع بابي، مش عارفه ممكن يحصلي ايه بعد ما شوفته بعيني وهو بينزل القبر، ما ماتش جنبي ما عرفتش اودعه سابني لوحدي وهو عارف اني جوه غابه سابني وانا اللي كنت دايما واقفه ورا ضهره بتحامى فيه، تعرف في الف وش وسط الوشوش دول بيخططوا ممكن يعملوا إيه بعد ما حسين الراوي ما مات… انا ضعيفه ووحيده …. أنا مقهورة..
لا يعلم لما آت لهنا، رأي مثله مثل الكثير خبر وفاة رجل الأعمال حسين الراوي، أول شيء فكر به حالتها بعد رحيل والدها، رغم كل ما فعلته معه إلا أنه شعر وكأنه مسؤول عنها ووجوده هنا أمر مفروغ منه، جذب كفها وضمه إليه مردفاً:
_ ده قضاء ربنا يا زينب كل واحد فينا هيجي يوم ويمشي من الدنيا، باباكي عمره خلص ومش هيبقى مبسوط ابدا وهو شايفاك ضعيفة بالشكل ده، وبعدين مين قال لك انك لوحدك انا معاكي..
رفعت عينيها إليه بنظرة طفلة صغيرة ضائعة تحاول التعلق بأي قشة تنقذها من الغرق مردفة:
_ بجد ؟!..
أومأ إليها مردفاً بهدوء:
_ بجد..
بكت بقهر وقالت:
_ مامي مهتمة أوي بالتصوير عشان تبقى قدام الناس قد إيه كانت منهارة على جوزها والسوشيال ميديا تتكلم عن جيهان هانم وشكلها في العزا، ما فكرتش تيجي تطبطب عليا ولا تقولي إنها جانبي أنا عايزة بابي يا سليمان يمكن ما يعرفش يرجع لي بس انا اقدر اروح له..
وضع سليمان كفه أمام شفتيها يمنعها من إكمال حديثها ثم قال بجدية:
_ ومين قالك انك لما تموتي نفسك هتروحي له هو احتمال كبير يبقى في الجنه وأنتِ الاكيد انك هتبقي في النار، يعني في الحالتين مش هتتقابله تاني يا زينب، لكن لو صبرتي وعملتي كل حاجة حلوة عشانه عشانك هتتقبلوا في النهاية.
ببراءة طفلة قالت:
_ أنا خايفة..
_ خايفة وأنا موجود ؟!..
لا يعلم لما قال هذا لكنه قال، ربما لأول مرة يشعر بالشفقة عليها لأول مرة يراها فتاة ضائعة تبحث عن الأمان، ألقت بنفسها على صدره وذراعها حول عنقه هامسة بنبرة مرتجفة:
_ خليك جانبي يا سليمان خليك جانبي على طول..
_ أنا جانبك يا زينب…
_____ شيما سعيد ______
بغرفة المكتب..
انكمشت فرح حول نفسها بخوف، توقعته ملاك سيقف معها لكنه قطعة طبق الأصل من أخيه، بكت بحسرة على حالها وعلى ما وصلت إليه ، مدت كفها المرتجف ووضعته على بطنها لعل صغيرها يشعر بالأمان بداخلها هامسة:
_ متخافش مهما حصل مش هضحي بيك ولا هسيبك تموت وإلا لو وصلت انا للموت، خليك قوي عشان بعد كده تبقى سندي وضهري اللي اقدر اقف قدام الدنيا كلها وأنا بستقوى بيه فاهمني يا قلب ماما..
حديثها مع صغيرها أعطي إليها دفعة قوية لتلقي بثوب الضعف بعيدا عنها وتفكر بكيفية الخروج من هنا، قامت من مكانها بخطوات ثقيلة وجسد مهزوم ثم دقت على باب الغرفة مرة والثانية، آت إليها صوت خشن من أحد رجال عثمان:
_ خير.
بيأس شديد قالت:
_ لو سمحت أفتح لي الباب كنت بنضف واتقفل عليا بالغلط..
حدق الرجل بمن يقف أمامه بشك مردفاً:
_ دي شكلها واحده من اللي بيخدموا هنا افتح لها الباب ولا ايه؟!
_ واحنا أي حد يقول لنا كنا بننضف نطلعه ما تفوق يا بني آدم بدل ما الباشا يطير رقبتك..
سمعت ما قاله فقالت برجاء:
_ والله العظيم أنا شغالة هنا فعلا خرجوني..
صرخ بها الرجل بغضب:
_ اكتمي يا بت وغوري في أي داهية لحد ما الباشا يجي ويشوف هو عايز يخرجك ولا لأ..
قدرتها على الوقوف انتهت فألقت بجسدها على الأرض خلف الباب ثم ضمت ساقيها لصدرها، العالم من حولها ينتهي ولا تري لو بصيص صغير من الأمل، سمعت صوت كعب حذاء نسائي يحرك بالخارج فقالت بجنون:
_ انا محبوسة هنا حد يخرجني ارجوكم..
صوتها لفت انتباه أحلام فاقتربت من باب الغرفة المكتب مردفة لرجال عثمان بشك:
_ أنتوا واقفين هنا بتعملوا إيه ؟!..
أجاب أحدهم:
_ دي أوامر عثمان باشا هانم اتفضلي أنتِ..
رفعت حاجبها إليه بغضب شديد مردفة:
_ وأنت مين عشان تحددلي أقف ولا لأ؟!.. اوعى من وشي..
دفعته بعيداً عن الباب ثم ضربت عليه بقوة قائلة:
_ مين إللي جوا ؟!..
إجابتها الأخري بصوت ملهوف:
_ ده أنا فرح يا أحلام هانم..
أخرجت أحلام نسخة من مفتاحها الشخصي لغرفة المكتب وفتحت باب الغرفة، أخذت فرح نفسها براحة أخيراً مردفة:
_ دخلت انضف المكتب لقيت الباب اتقفل عليا فجاه والاتنين دول رفضوا يطلعوني..
نظرت إليها أحلام بتعجب مردفة:
_ أنتوا واقفين هنا بتعملوا إيه ومنعينها تطلع ليه؟!..
أجاب الآخر باحترام:
_ يا أحلام هانم إحنا ما نعرفش مين اللي جوه دي اوامر عثمان بيه ان ما حدش يطلع من المكتب او يدخل غير لما حضرته يرجع..
حركت رأسها برفض وقالت:
_ روحي أنتِ شوفي شغلك في المطبخ يا فرح لو أشوف إيه الحكاية بالظبط..
لم تكمل حديثها وركضت فرح بسرعة البرق، وصلت للمطبخ وجدت صديقة والدتها بالعمل فقالت لها بخوف:
_ الحقيني يا طنط صفية..
_ مالك يا بنتي في إيه وبقي لك أسبوعين مختفية فين كل ما أسأل أمك تهرب مني بالكلام..
تعلقت فرح بملابسها مردفة بعلامات زعر واضحة على ملامحها مثل الشمس:
_ وديني بيتك وهقولك على كل حاجة هناك بس مشيني من هنا أبوس رجلك..
ضمتها صفية لصدر بحزن على حالتها ثم قالت:
_ طيب يا بنتي يلا بينا من هنا وباقي البنات يبقوا يكملوا مكاني..
أخذتها وذهبت أما على بعد بسيط كانت تقف نبيلة إحدى الخادمات، شابة صغيرة من عمر فرح الخادمة الخاصة بجيهان ولا تكره بحياتها إلا فرح، حركت شفتيها بتعجب مردفة:
_ هي إيه الحكاية بالظبط البت دي بتعيط ومرعوبه كده ليه؟!.. شكلها عاملة مصيبة بس على مين يا خبر بفلوس كمان ثواني في ايد نبيلة هيبقى ببلاش..
____ شيما سعيد ______
_ حتة عيلة زي دي تهرب منكم يا شوية كلاب ؟!..
_ يا باشا..
_ أخرس..
قالها عثمان وهو يعطي للراجل اللكمة الثانية، فلت عقله كيف لفتاة مثل فرح تقدر على الفرار من أيدي عثمان الراوي بأقل مجهود، اشتعلت النيران بقلبه أكثر وبدأ يلعب بوجه رجاله بكل أنواع الضرب لعله يرتاح..
نزلت جيهان وبجوارها أحلام التي أقتربت من عثمان بغضب مردفة:
_ في إيه يا عثمان أنت من أمتي بتمد أيدك على رجالتك بالشكل ده؟!..
عند أحلام يصبح عثمان حمل وديع، أبتعد عن رجاله عدة خطوات للخلف ثم قال بجبروت:
_ معاكم ساعه واحدة وأعرف بنت الكلب دي فين بالظبط والا قسما بالله هتناموا أنتوا الأربعة النهاردة في قبركم…
نسحبوا الرجال لتنفيذ أمر سيدهم، ليلقي عثمان جسده على أقرب مقعد فأقتربت منه جيهان مردفة:
_ مالك يا عثمان شكلك بيقول ان في مصيبة حصلت أكتر من موت حسين..
أغلق عينيه لعدة لحظات قبل أن يقوم من فوق المقعد ويعطي إليه ضربة قوية بساقه ليسقط أرضا ثم صرخ بغضب:
_ في إن الباشا قبل ما يموت باسبوعين اتنين راح اتجوز بنت الشغالة وجايه تقولي إنها حامل، فاهمة يعني إيه حامل يا جيهان يعني لو البنت دي جابت ولد هتبقي الخادمة معها فلوس عيلة الراوي..
شهقت جيهان بصدمة، حركت رأسها برفض مردفة بغضب:
_ مستحيل يا عثمان حسين ما يعملش كده البنت دي أكيد كدابة..
فلتت من عثمان ضحكة ساخرة قبل أن يقول:
_ لأ عمل جوزك حط راسنا تحت جزمه الزبالة دي..
سقطت جيهان على أقرب مقعد مردفة برعب:
_ احنا داخلين على انتخابات ومش محتاجين شوشرة وطالما هربت تبقى مش ناويه تنزله، انا مش هسمح ان الخدامة وابنها ياخدوا جنية من الثروة اللي فضلت إبني فيها سنين يا عثمان فاهم ولا لأ..
كانت بحالة من الجنون فأخذتها أحلام بشفقة على حالها وصعدت بها لجناحها مع عثمان بعدما رفضت دخل جناح حسين..
أما في الأسفل جذب عثمان خصلاته مردفاً بغضب:
_ الله يسامحك يا حسين الله يسامحك..
بخطوات مترددة أقتربت نبيلة من قرب مقعده مردفة بخوف:
_ باشا أنا عارفة مكان البنت فرح..
أنتفض من محله مردفاً:
_ انطقي هي فين ؟!..
_ في بيت الحاجة صفية..
بمنزل الحاجة صفية..
ضربت السيدة صفية على صدرها برعب مردفة:
_ يا لهوي حامل من حسين باشا ؟!.. عملتي في نفسك كده ليه يا بنتي دول ديابه ما بيرحموش، عثمان باشا هينزل إللي في بطنك وهيخلص عليكي بعدها، أنتِ حلك الوحيد تسيبي البلد يا فرح..
بكت فرح بقهر مردفة بقلة حيلة:
_ هروح فين بس يا طنط صفية؟!. الدنيا كلها مقفولة في وشي كنت فاكرة ان عثمان باشا غيرهم ولما أخبط على بابه هيوقف جنبي ويلمني ويلم إبن أخوه في حضنه..
ضمتها صفية بحنان وقالت:
_ هخليكي تروحي عند أهلي في البلد لحد ما ربنا يفرجها ونشوف إيه اللي ممكن يحصلك.. ..
أومأت إليها ببصيص من الأمل ثم قالت بامتنان:
_ شكراً يا طنط أبويا اللي انا من لحمه ودمه معملش معايا كده..
_ شكراً إيه يا عبيطة أنتِ زي بنتي يلا خلينا نلحق القطر..
سارت معها لباب المنزل وفتحته السيدة صفية لتجد أمامها عثمان وخمسة من الرجال، دفعها عثمان بقوة بعيدا عن طريقه ثم جذب فرح إليه من عنقها مردفاً بجبروت:
_ كنتي فاكرة إنك هتقدري تهربي مني يا بنت الخدامة..
يتبع….
↚
سقطت جسدها بين يديه فاقدة للوعي، أنحني قليلاً ليضم جسدها قبل أن تفلت منه وتصل للأرض، وقعت عينيه على معالم وجهها، خائفة ، ضعيفة، شفتيها ترتجف، دفعها بيد واحدة لتبقي فوق كتفه ثم أشار لصفية بقسوة مردفاً:
_ أرجعي القصر..
أقتربت منه بخوف مردفة برجاء:
_ عثمان باشا فرح غلبانة واللي حصل ده غصب عنها مافيش حد يقدر يقول لحسين باشا لأ..
قال لأحد رجاله بقوة:
_ وصل صفية بنفسك لحد ما أرجع لها..
ذهب وهي معه لا حول لها ولا قوة، وصل بها لباب سيارته فالقي بجسدها على المقعد الخلفي ثم أغلق الباب وفتح الباب الأمامي بجوار السائق مردفاً بقوة:
_ أطلع على مستشفي****..
_ أمرك يا باشا..
سمع رنين هاتفه فأخرجه من جيب جكيته ليري إسم جيهان فتح الخط مردفاً:
_ البنت معايا..
جملة جعلت جيهان تقدر على أخذ نفسها براحة أخيراً، جلست على حافة الفراش قائلة بتوتر:
_ هتعمل فيها إيه ؟!..
تأملها عبر المرايا ثم قال بجدية:
_ هروح بيها المستشفي هنزل العيل ده ونخلص..
_ صح يا عثمان هو ده عين العقل واحتمال كمان يطلع العيل ده مش إبن حسين ما أنت عارف إحنا جربنا بعد زينب كل حاجة ومفيش فايدة.
أغلق الهاتف معها وبعدها صمت، يشعر بثقل كبير يحرق روحه لأول مرة بحياته يكون قاسي بلا رحمة لتلك الدرجة، لكن ما باليد حيلة فتاة صغيرة تدعي حملها من شقيقه الراحل بعد اسبوعين فقط من زواجه منها، كيف وهو ظل يبحث عن الوريث سنوات طويلة وكانت النهاية دايما الفشل، وفقت السيارة أمام المشفي لينزل يفتح بابها ويحملها للمرة الثانية، دلف بها للمشفي وكان الطبيب وفريق العمل بانتظاره وضعها على الفراش وسار معاهم..
على باب غرفة العمليات هتف بقلق:
_ مش عايز أي حاجة غلط يا خيري عايزها تطلع منها سليمة مفهوم ؟!..
أومأ إليه خيري بهدوء:
_ مش عايزك تقلق خالص يا باشا كل حاجة هتبقي زي ما حضرتك عايز بس الأول هنعمل شوية تحليل نعرف الحالة صحتها عاملة إزاي قبل أي حاجة..
_ ماشي يا خيري شوف شغلك..
شاهدها تختفي من أمام عينيه، سند ظهره على الحائط وعقله يدور بكل إتجاه، للمرة الثانية ينقذه رنين هاتفه من أفكاره، فتح الخط مردفاً بهدوء:
_ عمي طارق أخبارك ؟!..
وصل إليه صوت طارق المتعب:
_ عايز أشوفك يا عثمان في حاجة مهمة لأزم تعرفها..
طارق صديق حسين المقرب ربما أكبر إليه من عثمان نفسه، تعجب عثمان مردفاً:
_ حاجة إيه دي ؟!..
_ فرح فين يا عثمان ؟!..
سأله عثمان بذهول:
_ أنت تعرف حكايته معاها إيه بالظبط ؟!..
_ أيوة أعرف كل حاجة وعايز أشوفك، أوعي يكون العيل نزل يا عثمان ده روح حسين متعلقة فيه.
روح شقيقه متعلق بابن الخادمة ؟!.. هل كان يعلم بوجوده قبل أن يموت ؟!.. أغلق عينيه بتعب لعدة لحظات ثم قال:
_ نص ساعة وهكون عندك..
أغلق الهاتف ثم أسرع لداخل الغرفة وفتح بابها بلا سابق إذن، وجدها مثلما تركها فقط معلق إليها بعض المحاليل، أقترب منه خيري بقلق:
_ في حاجة يا باشا ؟!..
_ عملت فيها أو في إللي بطنها أي حاجة ؟!..
يعلم أن الطبيب لم يلحق حتي الإقتراب منها لكنه أراد الاطمئنان، حدق به الطبيب بتعجب من تغير حاله ثم قال بجدية:
_ أنا لسه ما عملتلهاش أي حاجة يا باشا غير كشف مبدئي وبصراحه ما اقدرش انكر ان الكشف ده خوفني، المدام ضعيفه جدا والاشاعة كمان بتقول ان الجنين لسه في بدايته يعني نقدر ننزله بسهوله بس هتبقى المشكله في الأم، عموما نص ساعه كمان تطلع نتيجه التحاليل واقولك كل حاجة قبل ما نبدأ..
تنفس براحة وقال:
_ ما تعملش أي حاجه يا خيري غير انك تهتم بصحتها وبصحه الجنين ده وأنها تفضل نايمة لحد ما اروح وأرجع لها مفهوم..
ما هذا ؟!.. ما هذا حقا ؟!.. جعله يستيقظ منتصف الليل حتى يأتي لهنا ويجهض الجنين رغماً عن رفضه للفكرة والآن يطلب منه الإهتمام بها وبصحة الجنين ؟!.. ما باليد حيلة يا خير ليس أمامك إلا الإجابة بجملة واحدة أمام عثمان الراوي:
_ تحت أمرك يا باشا اطمن..
أومأ إليه عثمان مردفاً:
_ ماشي يا خيري ساعة بالكتير وهرجع تاني بس تفضل نايمة..
_ حاضر..
_____ شيما سعيد ______
قبل نصف ساعة بغرفة زينب..
منذ إنتهاء العزاء وهي مقيمة على فراشها، أقتحمت السيدة جيهان الغرفة بغضب شديد مردفة:
_ هتفضلي مرزوعة مكانك هنا كتير وسايبة الدنيا تدور من حواليكي ومش فاهمة حاجة خالص..
أغلقت عينيها لعدة ثواني بضيق، كان أبيه الحبيب ينقذها من سيطرة والدها والآن هي تقف أمامها وحيدة، فتحت عينيها ثم قالت بتعب:
_ هو في ايه يا مامي ؟!.. امبارح كنا دافنين فرخه !!.. اللي مات امبارح ده جوزك وبابايا كان سندنا الوحيد في الدنيا، أنا اللي المفروض أسأل حضرتك مش حزينه ليه او على الاقل بتمثلي الحزن قدامنا يمكن نتعاطف معاكي ونقول اخيرا بقى عندها قلب…
فلتت من جيهان ضحكة ساخرة ثم قالت بقسوة:
_ مش بقولك غبية مش فاهمة الدنيا حواليكي بيحصل فيها ايه؟!.. اللي أنتِ قاعدة تعيطي عليه ده راح اتجوز بنت الخدامه اللي اصغر منك ومش بس كده ده سايبها حامل كمان يعني شهرين تلاتة ونعرف إنه ولد ووقتها تبقى بنت الخدامه معاها فلوسنا وبناخد منها المصروف، ما تفوقي بقى وبطلي غباء بدل ما اقسم بالله اطلع بروحك في أيدي واخلص منك عشان تبقي في حضن أبوكي..
للمرة الثانية تغلق عينيها لكن تلك المرة بسبب غباء فرح، قامت من مكانها ثم قالت بقلق:
_ وهي فين البنت دي دلوقتي ؟!..
_ مع عثمان في المستشفى عشان ينزل الزفت اللي في بطنها ده مش عارفة ابوكي عايش وميت بنلم وراه..
عضت على شفتيها لعلها تقلل من توترها ثم وضعت يدها على رأسها مردفة:
_ أنا تعبانة ومحتاجة ارتاح دلوقتي وبعدين نبقى نتكلم يا مامي..
ألقي جيهان عليها نظرة غاضبة ثم رحلت من أمامها، مسحت زينب على رأسها مردفة:
_ اه يا غبيه اعمل فيكي إيه بس دلوقتي هتعرضي نفسك واللي في بطنك للخطر ده اذا كان لسه في بطنك حاجة أصلا، أنا لأزم أتصرف أعمل إيه هتعملي إيه يا زينب؟!.. بس هتصل باونكل طارق هو اللي هيوقف المهزلة دي..
أخذت هاتفها من فوق الطاولة سريعاً ثم ضغطت على رقم صديق والدها، مرة والثانية حتي أت إليها صوت السيد طارق:
_ خير يا زينب يا بنتي أنتِ كويسة ؟!..
بلهفة قالت:
_ أتصل على عمو عثمان يا اونكل فهمه كل حاجه بخصوص فرح لأنه معاها دلوقتي في المستشفى وعايز ينزل البيبي، أنت عارف ان بابا كان حلم عمره يبقى عنده ولد ارجوك اتصرف..
_ ماشي يا زينب اقفلي..
_____ شيما سعيد ______
بعد ساعة..
وصل عثمان لمنزل السيد طارق، تعجب أكثر مع وجود السيد طارق البوابة الرئيسية بانتظار قدومه، أقترب منه مردفاً:
_ هو في ايه بالظبط أنا عايز أفهم ؟!..
بلهفة سأله:
_ أوعى تكون عملت حاجه في مرات اخوك يا عثمان دي وصيه حسين وهتفضل في رقبتي لحد ما اموت وفي رقبتك أنت كمان..
هل هي مهمة بالنسبة لشقيقه إلي هذا الحد ؟!.. كيف تدور تلك العلاقة وعلى ماذا ؟!. رأسه ستنفجر، تحدث بغضب:
_ البنت سليمة بس أنا عايز افهم ايه اللي بيحصل دلوقتي عشان ما اجيبش اخر يا طارق…
أشار إليه السيد طارق بالدخول ثم قال:
_ تعالي ندخل المكتب وأنا هقولك كل حاجة..
دلف معه لغرفة المكتب ثم جلس على الأريكة الكبيرة فقال طارق:
_ قهوتك مظبوط مش كده؟!..
_ مش عايز قهوه عايز ندخل في الموضوع إيه حكايه البنت دي وايه اللي يخلي حسين يتجوز عيلة صغيرة بالشكل ده لا من سنه ولا من مقامه في اخر ايامه؟!..
خرجت من طارق تنهيدة طويلة قبل أن يجلس بجوار عثمان مردفاً بهدوء:
_ شوف يا عثمان انا مش هلف وادور عليك بالكلام كتير أنت عارف ان حسين بقى له سنين بيدور على الأولاد بعد زينب وكانت أمنية حياته ان يكون عنده ولد يشيل اسمه من بعده، في الاخر لما زهق قرر يتجوز فرح بنت غلبانة هيخلف منها الولد اللي نفسه فيه ويديها قرشين والقصه تخلص على كدة بس زي ما أنت شايف عمره خلص، دلوقتي المطلوب مننا كلنا أننا نحافظ على اللي جوه بطن فرح اذا كان بنت او ولد في الحالتين هيبقي من دمنا واول ما تولد هتاخد الفلوس اللي حسين اتفق عليهم معاها وتديك وصايه الولد ربيه مع ابنك..
أتسعت عينيه بذهول مردفاً:
_ أنت بتقول ايه متخيل ان ممكن أخد عيل من أمه وارميها بره حياته..
_ ده الاتفاق اللي كان بين ابوها وحسين الله يرحمه، بس في حاجه غريبه حصلت قبل ما حسين يموت بيوم ..
أنتبه إليه عثمان قائلا:
_ إيه هي ؟!..
قام طارق من مكانه ثم فتح خزانة أمواله مخرجاً منها ظرف صغير، قدم الظرف لعثمان قائلا:
_ الظرف ده جواه فلاشتين قالي واحده ليك وواحدة ليك تفتحها قدام فرح..
أخذ عثمان الظرف منه وحدق به بالقليل من القلق ثم قال:
_ ماشي يا طارق كتر خيرك أنا هتصرف..
_____ شيما سعيد _____
عودة للمشفي…
دلف لغرفتها وجد خيري مقيم عندها مثلما أمره، أخذ نفس عميق قبل أن يقول بهدوء:
_ أخبارها إيه ؟!..
أجابه الآخر بعملية:
_ صحتها ضعيفة جداً وسنها كمان فكرة حملها من الأول كانت غلط ولو فكرنا ننزل الجنين هيبقى خطر كبير على حياتها، إحنا علقنا لها محلول ومنوم مش قوي عشان الجنين ساعة بالكتير وهتفوق، حضرتك لسة مصمم على الإجهاض يا باشا ؟!..
نفي بحركة بسيطة من رأسه ثم أشار إليه بالخروج مردفاً:
_ روح أنت شوف شغلك ولما تبقي تفوق تعالى طمني عليها وعلى البيبي..
خرج الطبيب وتركه معها، بخطوات ثقيلة أقترب من فراشها، جميلة لا يقدر على نكران ذلك، بريئة وهذا ما يزيد جنونه لا يعلم كيف قبلت الزواج والتخلي عن قطعة منها ببساطة أكل هذا من أجل المال ؟!… رفع يده ليزيل خصلة كبيرة من شعرها تمنعه من رؤية وجهها بطريقة أوضح..
رسمت على وجهه ابتسامة خفيفة متذكر ندائها إليه بعمر السادسة ” اوثمان باسا” كانت لذلذة عفوية حتي عندما كبرت ظلت كما هي، تنهد بثقل ثم همس:
_ ليه دخلتي نفسك مع عيلة الراوي وأنتِ عارفة إنك مش قدنا يا فرح ؟!..
رنين هاتفه برقم أحلام جعله ينسي فرح والعالم كله فقط مكتفي بمتعة رؤية إسم أحلام مزين للشاشة، هل قلقت عليه ؟!… اشتاقت إليه ؟!.. فتح الخط مردفاً بحنان:
_ وحشتك ؟!..
تمني لو قالت نعم لكنها أجابت بهدوء:
_ بلاش تاذي البنت إللي معاك يا عثمان احنا مش بلطجيه واعمل حسابك ان زينب زي بنتك وأي حاجة هتتزرع بتتحصد..
لماذا دائما تهرب من أي كلمة حلوة يحاول زرع بذور حبه لها بها ؟!.. ابتسم بسخرية مردفاً:
_ ما تخافيش البنت كويسة..
_ هتيجي أمتي ؟!.
عاد بنظره لفرح النائمة ثم قال بجدية:
_ ساعتين كدة..
_ طيب بلاش تتأخر أنت عارف يونس مش بيعرف ينام الا في حضنك..
بأمل جديد سألها:
_ يونس ولا ام يونس؟!..
_ يونس يا عثمان يا ريت تبطل طريقتك دي أنت عارفني مش بحبها زي ما أنت عارف ان احنا الاتنين متجوزين غصب..
ضغط على شفتيه بقوة، مقهور واه من قهر الرجال، أغلق الهاتف معها بلا كلمة إضافية ثم سند ظهره على المقعد وأغلق عينيه بعقل يفكر بكيفية السير بالخطوات القادمة..
مر من الوقت ما مر لم يشعر إلا مع همهمة بسيطة صدرت منها، أنتبه إليها رآها تفتح عينيها بتعب فأقترب منها ليضغط على الرز المجاور للفراش مردفاً:
_ أنتِ كويسة حاسة بأيه ؟!..
صوته وصل إليها كصوت بعيدا لا تعلم ما تفوه به، لحظات وبدأت تفهم ما يدور حولها فأنتفضت بفزع، وصل إليها عثمان الراوي بمنزل السيدة صفية، طفلها ماذا حدث لطفلها ؟!.. ضمت كفها لبطنها بخوف فقال بهدوء:
_ اهدي أنتِ بخير وهو بخير..
هل أخذت الكلمة منه عهد ؟!.. نعم فعلت ذلك فهو عثمان قطعة من روحها، أومات إليه مردفة برجاء:
_ والله العظيم كل اللي حصل ده كان غصب عني بلاش تعمل أي حاجة لابني ده ابنكم وانا اوعدك ان محدش هيعرف بيه وهسيب البلد كلها وامشي، ساعدني امشي ومش هتشوفني ولا تشوفه باقي حياتك..
وضع كفه على كفها بهدوء مردفاً:
_ عايزك تهدي عشان الإنفعال الزيادة ده غلط عليه..
ببراءة طفلة صغيرة ضائعة قالت:
_ مش هتعمل له حاجة ؟!..
_ ولا ليكي أنتوا الأتنين أمانة عندي..
خائفة ربما تكون كلماته بثت بداخلها الأمان لأنها تعلم أنه إذا وعد صدق إلا أن عقلها يحذرها من الأمان الزائد فقالت:
_ بجد ؟!..
_ امممم بجد..
_ إيه اللي غير حضرتك بالسرعه دي أنت امبارح بس كنت عايز تقتلني وتقتل ابني..
أبتسم إليها مردفاً:
_ شوفي يا فرح أنتِ عشتي في بيتنا 19 سنة عارفه عننا حاجات ممكن احنا نكون مش عارفينها، لما أعرف معلومه زي اللي أنتِ قولتيها امبارح دي مش هاخدك في حضني واقولك يا مرات الغالي، أخويا كان بيعمل حساب لكل خطوة بياخدها وانه يموت بعد جوازه منك اسبوعين وتبقي حامل بالسرعة دي مع انه بقى له سنين بيدور على العيال يبقى في حاجه غلط، وانا لو عملت عكس اللي عملته ابقى حمار..
أبتلعت ريقها يترقب ثم همست:
_ وايه إللي أتغير.
_ اللي تغير ان ظهرت فلاشة حسين عايزني افتحها انا وأنتِ مع بعض هنمشي من هنا ونفتحها ونشوف اللي فيها وبعدين هقرر هنعمل ايه في اللي جاي..
وهل لديها خيار سوي الاستسلام فالفرار منه أصبحت على يقين من انه مستحيل، ربما يكون صادق فقلبها يبث بداخلها الأمان، أومأت إليه ليقول بهدوء:
_ طيب كويس..
قطع حديثه صوت لباب فقال:
_ أدخل يا خيري..
دلف الطبيب خيري مردفاً بهدوء:
_ هنعمل سونار بسيط نطمن على وضع الجنين يا مدام ايه رايك؟!..
بخفوت قالت:
_ ماشي..
أقترب منها ثم حاول رفع بلوزتها فقالت بخجل:
_ لأ.
أشار إليه عثمان بالابتعاد مردفاً:
_ أبعد عنها هعمل أنا..
_ لأ لأ لأ وأنت أنت كمان لو سمحت أخرج..
بوقاحة أجاب:
_ لأ ويلا يا ترفعي يا تخليني ارفعها لك انا خلينا نخلص بقى..
عضت على شفتيها من الخجل ورفعت البلوزة قليلاً عن بطنها وضع الطبيب بعض السائل على بطنها مردفا :
_ خليه على بطنك كلها يا مدام..
فعلت ما قاله فوضع بها الجاهز وقال بهدوء:
_ ما شاء الله يا باشا الجنين زي الفل هو النقطة الصغيرة اللي هناك دي..
ابتسمت بمشاعر عجيبة والاغرب أن عثمان هو الآخر شعر بها، ربما يكون بسبب رفض أحلام ذهابه معها للطبيب طوال فترة حملها أو ربما لأن الطفل الذي تمناه حسين طوال حياته، أنتبه على جملة الطبيب:
_ استنوا دول توأم..
____ شيما سعيد _____
_ نزلي لو سمحت بقي..
قالتها فرح وهي تكاد تذوب من خجلها، أما عثمان لم يعطي إليها أي انتباه أكمل طريقه حتي دلف بها لشقة رقيقة بالدور الأول بمكان راقي، وضعها على أريكة ناعمة بغرفة المكتب ثم اختفي لحظات وعاد بوسادة بيضاء أبعد ظهرها قليلا ووضعها خلفه مردفا باهتمام:
_ ها مرتاحة ؟!..
مرتاحة ؟!.. سؤال عجيب لم تتوقع أن يخرج إليها من بين شفتيه مهما كان السبب، أومات إليه بتوهان ليقول:
_ كويس..
اختفي من جديد وبعد عدة دقائق عاد يحمل على يديه صنيه كبيرة بها كل ما لذ وطاب من الطعام، وضع الصنية أمامها بحرص شديد ومد يده إليها بكوب من العصير قائلا:
_ يلا اشربي العصير ده كله وبعدين تأكلي كل الأكل ده كله..
أشارت على نفسها بذهول هامسة:
_ تقصدني أنا ؟!..
فلتت منه ضحكة خشنة قبل أن يقول:
_ هو في غيرنا في المكان ؟!..
_ لأ..
_ يبقي أكيد أنتِ يلا كلي..
مررت لسانها على طرف شفتيها لتعطي إليها بعض الطراوة، قلبها بكل أسف رفرف بسعادة ما تمنته أمام عينيها حقيقة حتي لو للحظات معدودة، مدت كفها المرتجف لتأخذ المعلقة لتسقط من بين أصابعها من شدة توترها، لاحظ ذلك فأخذ المعلقة ووضعها بطبق الشوربة ثم قربها من شفتيها مردفاً :
_ يلا أفتحي بوقك لأزم تأكلي كويس الدكتور قال إنك ضعيفة جداً..
بأستسلام شديد فرقت ما بين شفتيها ليدخل معلقة وراها الثانية وهي فقط تحاول الاستمتاع بتلك اللحظة لاقصي درجة، بتوهان قالت:
_ طيب والفلاشة؟!..
_ خلصي أكلك ونشوفها..
لو بيدها لظلت تأكل من يده الباقي من عمرها لفعلتها لكن وبكل أسف معدتها الحمقاء أخذت كفايتها ولا ترغب بالمزيد، وضعت كفها أمام المعلقة القادمة وقالت بخفوت:
_ الحمد لله خلاص شبعت..
أومأ إليها بهدوء ثم حمل الصنية وذهب، دلف بعد ثواني ومعه اللاب توب ثم جذب الطاولة الصغيرة ووضعه فوقها وضع به الفلاشة لتشعر برجفة قوية بقلبها لا تعلم سببها أو لتكون صادقة بداخل هذه الفراشة مصيرها ومن حقها تخشي المجهول…
أخذ نفسه بكثير من القلق وقام بتشغيل الفيديو، وجد أمامه شقيقه الأكبر يجلس على مقعده بغرفة مكتبه بالشركة، على وجهه للمرة الأولي علامات الهزيمة، تنهد حسين بثقل ثم قال:
_ تقريباً النهاردة آخر يوم ليا في الدنيا، لو الفيديو ده وصل لايدك يا عثمان تبقي عرفت بجوازي من فرح والاكيد كمان ان فرح قاعدة جنبك وبتسمعني دلوقتي، في تفاصيل كتير مش هقدر اقولها في الفيديو ده اعرفها في الفيديو بتاعك يا عثمان، لكن كل اللي اقدر اقوله هنا اني اعتذر لفرح على دخولها في دايرة هي ملهاش أي علاقة بيها وعلى اني كنت أناني ما فكرتش غير في نفسي وبس على حساب عيلة صغيرة لسه بتبني مستقبلها وتفرح بشبابها عشان كده انا بوصيك وصية ميت يا عثمان، أول ما فرح تولد تكتب عليها وتبقى مراتك وتعوضها عن الذنب اللي ارتكبته في حقها يمكن وقتها ارتاح في قبري لما اشوفها سعيدة.. وابني منها يبقي أمانة في رقبتك هو وأمه لحد ما نتقابل يوم الدين..
هنا أنتهي الفيديو وانتهي بعده الحديث، خرج صوتها بذهول:
_ هو المفروض نعمل إيه ؟!..
_ هتجوزك..
يتبع…
.jpeg)